الموسوعة الإعلامية




عبد الحميد الصائح

كالتقويم الوحيد الذي يتقاذف الكائنات الحية ومن ضمنها البشر في هذه الزاوية الصغيرة من الكون هو الليل والنهار، عدا ذلك جميع التقاويم والسنوات والأشهر انما هي تنظيم بشري للزمن الذي جعله الله مثل مجرى المياه ودورتها في الطبيعة  التي لاتتوقف ، واذا ماعرفنا بالفضول والمعرفة كيف يتكون الليل والنهار بفعل حركة الكواكب وحجب بعضها لبعض، فان سرّ الحركة ذاتها  يظل من المكنونات الغامضة،  وهي حركة طفيفة جدا في هذا السديم بالقياس الى النظام المهول الذي تسير عليه طبيعة الوجود ،

 

 ربما ينظّم قومٌ حياتهم أو عباداتهم وفلكلورهم الشعبي بناءً عليها لكنها قطعا لايمكن ان  تعد تقويما وجوديا شاملا ، ذلك أنّ التقاويم التي ابتكرها البشر وفرضوا قداستها على الناس، مع قليل من المراجعة تجدها من صنع أباطره ورهبان ومتأملين اشتقوا شيئا من شيء وأسسوا من بُناة أفكارهم فرضيات وطرقاً للقياس  ، لابد أن تظل فرضيات طالما أن اليقينَ الالهي لم يتدخل فيها . فليس من المعقول  أن البشرية بأسرها تخضع لنداء  راهبٍ رومانى  فى منتصف القرن السادس  اسمه (ديونيسيوس اكسيجونوس) حدّد فيه انْ يكون ميلاد السيد المسيح هو بداية التقويم البشري ، وأننا فيما بعد نقيسُ أعمارنا ومناسباتنا وعملنا ويومياتنا وحياتنا برمتها على مسطرته، ونقول :  إنّ هذا من صنع الله ، لاسيما اذا ماعرفنا ان هذا التقويم تحديدا هو امتداد لتقويم محلي روماني يبدأ من تأسيس روما ، وانه لم يبدأ من الصفر، بل ان الراهب الجليل دعا لاعتماد ذلك ود مر 532 عام على تاريخ الولادة المفترض !!

 

 وليس من المعقول اطلاقا  أن الله خالق الوجود ومالك سّره يولي العناية لأشهر (السنة )المختلقة ، باسماء آلهة متخيلة لدى الرومان مثل (يناير) و(مارس) وهم آلهة الحرب  او أبريل العبودة  ومايو المدللة  ويونيو  ويوليو (يوليوس قيصر ) وسلسلة من التعاريف يمكن للقاريء العودة الى الموسوعات العالمية لمعرفة معانيها كاملة، 

 فالتقاويم عموما  عمل وضعي مثل اللغة مثل بناء المساكن مثل ابتكار العجلة او الترانسستور أو الطيران والقانون والاخلاق منجز بشري تربوي تنظيمي. وهي موجودة لدى جميع الاقوام البدائية منها والمتحضرة .

 

 لذلك تسقط ذريعة أنْ تكون حياتنا التي نظمناها كأي خلية طيور أو حشرات أو كائنات أخرى مرتبطة ًبالله تعالى عن طريق هذه التقاويم  سواء وضعها (الأنبياء) أو الملوك الأباطرة  ، انها ببساطة فعاليات تلتحق بالتنويع والظن والافتراض الذي يحيط حَيْرة الإنسان العابر الزائل مع زملائه من الكائنات الاخرى بهذا الوجود الذي لم ولن يتمكن كائنٌ فيه منذ بدئه حتى اليوم من ادراك يقينه. 

 

الذي أصله في هذه اللمحة الخاطفة من التأمل ،أن وجودنا نحن الذين نتنفس هذه الساعة على هذه الارض مستمر، لم يغادرنا عام ولم يأتنا عامٌ جديد !، بل اننا مازلنا نسبح في السائل (الأمنيوسي ) الذي يغذي الجنين في الرحم، لاتحكمنا تقاويم الفراعنة ولاتقاويم الرومان ولاتقاويم العقائد المبتكرة عبر التاريخ ولن يعني الله تعالى اننا في شهر  جانفي أو طوبة أو يناير أو أمشير أو النمر أوالجدي أو ذي القعدة  وأي من تقاويم الشعوب والاقوام . فنحن اليوم حتى هذه الساعة أحياء بلا أرقام ، وطالما تعاقب عليكم الليل والنهار وانتم أحياء فانتم بخير.


@*@model web.ViewModels.NavMenuVM*@