الموسوعة الإعلامية




د كاظم الموسوي

سجل الشعب السوداني في انتفاضته المتصاعدة هذه الايام للتصدي للدكتاتورية والظلم والظلام، مواصلة لارثه التاريخي المجيد في الكفاح الشعبي من أجل مصالحه وتقدم بلاده، ومشاطرته القضايا الوطنية والقومية. اذ خاض الوطنيون والديمقراطيون ملاحم بطولية، وفي طليعتهم الشيوعيون. وككل مرة يتعرض المناضلون الى حملات القمع والسجن والحصار. وككل مرة ايضا يقف الشيوعيون وحزبهم في طليعة المناضلين في التظاهر والاحتجاج والاعتقال.

 حيث قامت السلطات الدكتاتورية بمحاصرة دار قيادة الحزب بالعاصمة الخرطوم اثناء إنعقاد إجتماع لجنة المنطقة مساء 13 كانون الثاني/ يناير 2018. وفرضت حصارا مستمرا على دور الحزب بالعاصمة القومية إعتبارا من يوم 14 كانون الثاني/ يناير 2018 واستمر دون انقطاع، كما فرضت رقابة دائمة على مركز الحزب بالخرطوم بعد ملحمة الثلاثاء المجيدة وتمكنت من خلالها من إعتقال كل من يخرج من مبانيه، كما فرضت رقابة على منازل بعض القياديين في الحزب بالعاصمة الخرطوم. وقامت بإحتجاز عدد كبير من المعلمين الشيوعيين وبعض اعضاء لجنة المعلمين في الاسبوع السابق ليوم 16 كانون الثاني/ يناير 2018 ولا يزال بعضهم رهن الإعتقال او الإستدعاءات اليومية لمباني الاجهزة الامنية.

 وكما أكد بيان للحزب (2018/1/19) بانه لا تزال حملة الإعتقالات مستمرة، ولا تزال قائمة المطلوبين طويلة ويتم بشكل يومي نقل العشرات من المطلوبين من الشيوعيين والديمقراطيين إلى جهات غير معلومة لذويهم مما يثير القلق على حياتهم وسلامتهم.

 

وقف الشعب السوداني في انتفاضته المتجددة الان، التي قادها الحزب الشيوعي وقفة مجيدة يسجلها التاريخ له. كما يسجل لموقف الحزب الشيوعي منها كتعبير واضح لحركة اليسار في السودان عموما. وهي القوة التي عليها تقع مسؤولية التشابك مع تطلعات الجماهير وحركة الشارع وهموم الناس والتوازي معها في الكفاح والقدرة على التضحية وايثار مصالحها واهدافها اساسا. اذ اندلعت الاحتجاجات من شوارع الفقراء وبيوت المحرومين وأحياء المستضعفين رفضا لميزانية التجويع والنهب والفساد واحتجاجا على القمع وانعدام العدالة والعسف المتمادي ضد الحريات العامة وحقوق الإنسان والديمقراطية. وبادر الحزب الشيوعي الى تصعيد الحراك وتنظيم أطره وشعاراته.

 

الإجراءات القمعية التي ردت بها السلطات الدكتاتورية لايقاف الحراك الشعبي تعكس طبيعتها وتصوّر منهجها وتكشف نظامها الاستبدادي وممارساتها القمعية الوحشية. وازاء كل ذلك يكون الموقف والدور والموقع للحركة اليسارية في تحشيد جماهير الشعب باستمرار الانتفاضة والضغط السياسي وديمومة المواكب والوقفات العامة والتضامن الإنساني مع المعتقلين وعوائلهم والمطالبات بالعدالة وحكم القانون والحريات والديمقراطية وإطلاق سراح المعتقلين ووقف الهجوم الشرس والعمل من أجل الخلاص الوطني والتنمية الوطنية والحكم الرشيد.

هذا الحراك الشعبي في السودان في مضمونه وشعاراته وقيادته يثبت او يؤشر إلى انطلاق جديد لليسار الحقيقي في البلاد وخارجها، ويرد على بعض محاولات التضليل والتشويه وحرف توجهات النضال الوطني الديمقراطي في السودان وخارج السودان. وهذا مؤشر إيجابي يعيد الاهمية للدور الذي لعبه الشيوعيون في تاريخ النضال الوطني وتراكم تضحياتهم البطولية وتداعياتها في استمرار صمود الحركة الوطنية وضمان طليعة اليسار لها، كما هو حاصل في الحراك الشعبي في خارج السودان، ايضا، مثلا في شوارع تونس واحتجاجات الجماهير التي تقودها الجبهة الشعبية، التحالف اليساري، وغيرها. مما يعني في ظروفه اختبارا عمليا لحركة اليسار الجديد وبرامجها في إدارة الصراع الوطني والاجتماعي والدفاع عن الطبقات الاجتماعية وفئاتها ذات المصلحة الواقعية في الانجاز والتحالف الديمقراطي وبناء المستقبل. ولعل في نموذجي السودان وتونس، مثالين صريحين لنهوض وطني يساري، ينزل الى الشارع ويقود الصراع السياسي والطبقي والاجتماعي، مُجددا ومقدما أطروحات كفاحية تعبر عن الحراك والتظاهر والاحتجاج على سياسات الاستبداد السياسي والتدمير الاقتصادي والتفتيت المجتمعي وتعميق التفاوت الطبقي والاجتماعي واحتكار السلطة.

 

أمام كل ما يجري في الساحات في العاصمة والمدن السودانية لابد من التضامن مع الشعب السوداني في انتفاضته ورفضه للظلم والتجويع والاستبداد.. والتضامن مع الحزب الشيوعي، والحرية لكل المعتقلين السياسيين ولتتحقق مطالبهم المشروعة وحقوقهم الإنسانية دون إبطاء او معوقات وممارسات ارهابية. من حق الشعب السوداني التعبير عن حراكه السلمي بما يراه ويقرره وضمن القانون وعملية الإصلاح وضرورة التغيير. فان ما قامت به السلطات السودانية من أعمال وانتهاكات لا تخدم مصالح جماهير الشعب ولا تصب في تطورها والحفاظ على منافعها وكرامتها الوطنية والقومية، هي في محصلتها عوامل محفزة للانتفاضة والاحتجاج ورفع الصوت أمامها وعليها. اي انها وفرت الظرف الموضوعي لحراك الشعب واندلاع الشرارة. وكما أثبتت التجارب التاريخية انتصار قوة الشعب وخياراته وإرادته، مهما كانت اساليب القمع والظلم والإستبداد، فكلها لن تُسكت الشعب ولن ترهب خياراته الوطنية، لاسيما إذا بادرت طليعة وطنية يسارية مخلصة له، واذا اتسع الاستبداد في ممارساته ضدها او في الاستهانة بها.

 

درس التاريخ السياسي يكتب النصر لكفاح الشعوب بوحدتها الوطنية وقيادتها الواعية دائما. وهذا درس وعبرة لمن يعتبر، ومن لا يرعوي فمكانه في النهاية معروف. وما قد يحصل من تموجات في الحراكات والانتفاضات وتماهل او انحسار لا يعني ابدا زوال الاسباب والاعتراض، بل ما يحصل اليوم يفسر النهوض المؤجل وصحوة لقوى التقدم والتغيير، وضرورة الانطلاق والعمل البناء في كل الساحات واركان الوطن العربي، والتضامن مع كل تحرك وانتفاضة وطنية ديمقراطية، والتفاعل مع الأهداف المشروعة وصولا إلى الغد المشرق.


@*@model web.ViewModels.NavMenuVM*@