الموسوعة الإعلامية




د كاظم الموسوي

 اتهمت روسيا الولايات المتحدة بالضغط على دول أخرى للمشاركة في حملة الطرد الجماعي للدبلوماسيين الروس كرد على اتهام بريطانيا. وقال وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، إن واشنطن “تنظم عملية ابتزاز كبرى” لروسيا مشيرا إلى أنه لم يعد هناك إلا “قليل من الدول المستقلة في أوروبا الحديثة”. وهذا الأمر ملفت أيضا، من خلال توجيه الاتهام والتنديد إلى واشنطن مباشرة.”

تصاعدت الحرب الدبلوماسية على روسيا بشكل لافت، أو بشكل أعمى، كما تقول الخارجية الروسية، بعد اتهام الحكومة البريطانية لروسيا بتسميم الجاسوس الروسي المزدوج السابق سيرجي سكريبال بسم من صناعة روسية من فترة الحرب العالمية الثانية، مصحوبة بحملة إعلامية منظمة ومستمرة، قبل انتهاء لجنة التحقيق البريطانية من مهمتها ودون صدور حكمها وقرارها وقبل أي قرار قضائي متابع للقضية. وقضية التسميم حسب الإعلام البريطاني حصلت في مدينة بريطانية يقطنها الجاسوس الروسي وابنته، وفي هذه الحالة تحتمل عدة احتمالات منطقية قبل كل استعدادات الحرب التي قامت بها حكومة لندن ضد روسيا ورئيسها الذي كان منشغلا بانتخابات رئاسية جديدة إضافة إلى قضايا روسية أخرى، من بين الاحتمالات، بديهيا وأول اتهام يذهب مباشرة إلى روسيا بأنها المعنية بالقضية، من الوهلة الأولى، لأسباب انتقامية من الجاسوس رغم أن تبادله أنجز من حوالي عقد من الزمان، أي مرت فترة طويلة مما لا يؤثر الآن على وظيفته السابقة وجهاز مخابراته. وهذا الاحتمال نفاه المسؤولون الروس بديهيا وانكروا ضلوعهم بالجريمة وطالبوا بتقديم البراهين والمشاركة في التحقيق وكشف الفاعل الرئيسي. والاحتمال الثاني يمكن أن يكون طرفا آخر، غير الروس، يهمه الإساءة للعلاقات الروسية البريطانية وصناعة إشكالية بينهما، مهما كان حجمها أو مستواها، من خارج بريطانيا أو من داخلها، من أجهزة مخابرات أو منظماتها، وربما لأهداف أخرى أو غايات مطلوبة، ولم يؤخذ مثل هذا الاحتمال بأية نظرة أو توقع ولا حتى الإشارة له في أي مجال ارتبط بالقضية. والاحتمال الثالث يمكن أن تكون وراء من قام بالجريمة دوافع شخصية، بمعنى عداء أو صراع للجاسوس الروسي مع أشخاص أو جهات لها علاقة شخصية به، من مقيمين في المدينة البريطانية أو جهات يمكنها أن تنفذ مثل هذه الأعمال التي تتحمل تداعيات أخرى، مثل التي حدثت منذ الإعلان عن قضية التسميم ولحد الآن.

اذا أعيد النظر بالاحتمالات كلها أو أي واحد منها فالأسئلة تتوجه إلى التحقيق ونتائجه، وإلى دوافع الحملة الإعلامية ومن ثم الدبلوماسية، التي تحاسب قانونيا وموضوعيا وإنسانيا، والتذكير بأن جرائم أجهزة المخابرات الدولية والمصالح الاستعمارية والروابط بين الحكومات الغربية تدفع باتجاه إعادة التفكير بكل ما حصل وقد لا يقتنع المرء من تلك الحملة وما وراءها كليا، مع التشكيك بأهداف سيناريوهات أخرى تضاف إلى المشهد المتسارع والمتصاعد سياسيا ودبلوماسيا وربما يحيل إلى مخاطر أبعد من الصورة التي انتهت إليها الأحوال أو مازالت في أطوارها المتدحرجة.

بدأت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بالتصعيد منذ 14 آذار/مارس، أي بعد أكثر من أسبوع من إعلان القضية، بقرار طرد 23 دبلوماسيا روسيا. وقالت ماي في البرلمان البريطاني “بموجب ميثاق فيينا ستطرد المملكة المتحدة 23 دبلوماسيا روسيا تم تعريفهم على أنهم ضباط مخابرات سريون”. وأضافت أن هذه هي أكبر عملية طرد لدبلوماسيين من لندن منذ 30 عاما وأنها ستقلص من قدرات المخابرات الروسية في بريطانيا لأعوام مقبلة. وتابعت “سنجمد أصولا للدولة الروسية في حال حصلنا على أدلة على أنها قد تستخدم في تهديد حياة أو ممتلكات مواطنين أو سكان في بريطانيا”. إضافة إلى إجراءات أخرى.

مباشرة دعمها البيت الأبيض وأكد أن الولايات المتحدة تشارك بريطانيا تقديرها أن روسيا مسؤولة عن الهجوم وتؤيد القرار الذي اتخذته بطرد دبلوماسيين روس. كما طلبت لندن من حلفائها الأوروبيين موقفا مشتركا معها ضد روسيا. وهو ما حصل فور إعلان البيت الأبيض عن إجراءات طرد 60 دبلوماسيا روسيا وغلق قنصلية روسية، بإعلانات تضامن أوروبية بطرد دبلوماسيين روس دون انتظار براهين وأدلة على ارتكاب روسيا لجريمة تسميم جاسوس مقيم في بريطانيا. الأمر الذي يثير أسئلة كثيرة حول هذا التضامن العاجل والإعلان المشترك لشن حرب دبلوماسية ضد روسيا.

من جهتها اتهمت روسيا الولايات المتحدة بالضغط على دول أخرى للمشاركة في حملة الطرد الجماعي للدبلوماسيين الروس كرد على اتهام بريطانيا. وقال وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، إن واشنطن “تنظم عملية ابتزاز كبرى” لروسيا مشيرا إلى أنه لم يعد هناك إلا “قليل من الدول المستقلة في أوروبا الحديثة”. وهذا الأمر ملفت أيضا، من خلال توجيه الاتهام والتنديد إلى واشنطن مباشرة.

فعليا قامت 25 دولة أوروبية مختلفة بطرد 140 دبلوماسيا روسيا من أراضيها فيما يعد أكبر عملية عقاب دبلوماسي في التاريخ. وزاد في الأمر اتفاق زعماء الاتحاد الأوروبي، على ترجيح أن تكون موسكو ضالعة في تسميم سكريبال وابنته. كما طرد حلف شمال الأطلسي سبعة دبلوماسيين روس ورفض اعتماد ثلاثة آخرين. كما يعتزم الحلف الأطلسي تقليص الحد الأقصى لحجم البعثة الروسية بنسبة الثلث من 30 إلى 20.

أدانت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، قرار دول الاتحاد الأوروبي قائلة إن هذه الدول “تفسر التضامن مع بريطانيا بشكل مختلف”، وأكدت موسكو أنها سترد بشكل “مناسب” على القرار الأميركي!.

أما رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، فقد قدرت أمام مجلس العموم القرارات التي اتخذتها الدول الصديقة والحليفة، واعتبرتها أكبر عملية إبعاد جماعية لدبلوماسيين روس في التاريخ. وأشارت ماي إلى أن الخطوة رسالة قوية لروسيا بأن الغرب لن يتسامح مع “محاولاتها المتكررة لانتهاك القانون الدولي وعرقلة قيم الغرب”.

واجهت موسكو الحرب الدبلوماسية عليها بالقول “لايمكن اعتبار أن خطوة غير ودية كهذه ستمر دون رد”. حيث أوضح المتحدث باسم الرئاسة الروسية (الكريملن)، ديميتري بوسكوف، الأمر في قوله “بالطبع كما حدث في السابق سنلتزم بمبدأ المعاملة بالمثل”. وبالتأكيد تقرر موسكو أيضا طرد دبلوماسيين غربيين بما يقابل ما حصل ضدها. بدء من لندن وتتبعها الولايات المتحدة وتأتي باقي الدول بالتسلسل. أي أن الحرب الدبلوماسية ستأخذ مساحتها في المشهد السياسي وأن تبادل الطرد والتعامل بالمثل المؤشر الأساس فيها.

في الوقت نفسه، تؤشر حملات التضامن والدعم بهذا الأسلوب ودون أدلة معلنة وكافية أن وراء الأكمة ما وراؤها، وأن القضية أبعد من تسميم جاسوس، لاسيما وأنه ليس الأول وليس الوحيد، وفي بريطانيا ذاتها. وهذا ما يشير الى أن سنوات الحرب الباردة قد تستعيد دورانها بين الغرب والاتحاد الروسي أولا، وقد تتوسع لابعد منه إذا لم تعقل الإدارات الغربية دروس التاريخ.


@*@model web.ViewModels.NavMenuVM*@