الموسوعة الإعلامية




علاء الخطيب

 لم تكن التظاهرات التي خرجت في المدن الايرانية غير متوقعة فقد حذرت مراكز أبحاث إيرانية كموقع اقتصاد ايران  وكار فرمايان و غيرها  من اندلاع تظاهرات  نتيجة الأوضاع المعيشية،  كما ان خبراء دوليون ومراقبون  توقعوا مثل هذه التحديات   في ظل ظروف إقليمية ودولية تتربص  بالنظام الايراني ، وهي  مستعدة ان تنفق  ما كلفها من اجل احداث   هذه التظاهرات ، فهناك ومنذ فترة ليست بالقصيرة   عداء واضح ومعلن   ومواجهات اعلامية بين ايران من جهة وإسرائيل والسعودية وأمريكا من جهة اخرى ، ولم تخفي هذه الدول  رغبتها بالتخلص من النظام  في طهران، فقد صرح الامير  تركي الفيصل في باريس في احتفال لمنظمة مجاهدي خلق الايراني  المعارضة ولقائه بمريم رجوي  انه سيحتفل معها في طهران قريباً ،

  ثم   جاء تصريح الامير  محمد بن سلمان حينما قال بانه سينقل المعركة الى الداخل الايراني ، وقد صرح نتينياهو مراراً  بانه مستعد  للتحالف مع الدول العربية  السنية ضد ايران  في اشارة للعزف على الوتر الطائفي ، وقال في كازخستان  ان ايران ستتعرض لخطر نتيجة   عدائها لإسرائيل. ، 

  وفِي  أكتوبر من العام الماضي  وفِي كلمة لترامب في الامم المتحدة  دعى ايران لترك دعمها للارهاب، وهو اتهام صريح ،   ثم وضع الحرس الثوري الايراني على قائمة الارهاب ، وندد بالاتفاق النووي  بين ايران ومجموعة 5+1   كل هذه المواقف تتضح اليوم. بشكل جلي  في تضخيم صورة الاحتجاجات والرغبة العارمة في تغيير نظام الحكم في ايران وان ما حدث لم يكن بمعزل عن هذه الدول وتدخلاتها .

لكن يبقى ان نقول ان هذه الرغبات  والتصريحات  لا يمكن  ان تلقى اذان صاغية لو لم تكن هناك ظروف موضوعية. وأوضاع داخلية ساعدت بشكل او بآخر على تفجر الشارع،  فالأوضاع  الاقتصادية المتردية   اثقلت كاهل المواطن الايراني، علاوةً على تدني سعر صرف التومان الذي فقد في الستة أشهر الاخيرة. بحدود 25% من قيمته  بالاضافة الى افلاس ثلاث مصارف إيرانية  كبرى كـ كاسبين وآرمان وآخر وهي   مرتبطة بالبنك المركزي الايراني.

 هذه المصارف  التي   افقدت المودعين أموالهم علاوة على الأرباح التي وعدت بها هذه البنوك ، ولم تحل المشكلة الى هذا اليوم ،  كما ان   الرواتب بقيت على حالها رغم ارتفاع أسعار السلع الاساسية  فقد تراوحت الرواتب  بين 180 - 220 دولار  في الشهر وهي لا تكفي لأسبوع واحد للمعيشة كما ذكر  النائب الايراني  بروير فتاح، 

  وكان مركز كانون عالي كارفرمايان ايران قد قال في تقرير له نشر على موقعه  ان الأوضاع المعيشية تنذر بالخطر ،   وذكر ان ١١مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر .  كما عرضت صحف رسمية إيرانية  صوراً لإيرانيين يسكنون المقابر العامة مما ولد حالة من الاستياء في الشارع هناك ، أضف الى ذلك ارتفاع نسبة البطالة التي بلغت وفق مركز الإحصاءات الايراني 12.4%  فهناك نحو 3.2 مليون عاطل عن العمل في ايران.  

 كما ان الايرانيون كانوا يعولون على الاتفاق النووي الذي أيده الشارع وخرجوا بالملايين  لدعمه ، متأملين  بانعكاسات اقتصادية عليهم لكنهم  لم يجنوا ثمار هذا الاتفاق مما سبب لهم خيبة أمل زادت من سخط الفقراء مع تفاقم الاوضاع . 

لكن في المقابل استطاعت طهران ان تبعد الخطر عن حدودها وان تحمي شعبها وان تحقق إنجازات على مستوى السياسة الخارجية بتواجدها في سوريا والعراق. ولبنان. وغيرها من المناطق الملتهبة ، لكن  هذا الامر  لا يعني المواطن في الداخل  وليس محل اهتمامه، فقد ركز  الفقير على لقمة عيشة  وجعلها اولوية تتقدم الأمن ، مما جعل البعض يجدها فرصة مناسبة لتأجيج الأوضاع .    

وسَرِّح خيال البعض الاخر و راهنوا على  سقوط النظام الايراني بمجرد انطلاق التظاهرات  متناسين ان  التظاهرات لا تسقط النظام  و النظام ليس هشا الى هذه الدرجة   وله اتباع ومريدين  وان الجيوش الرديفة التي أسسها نظام الجمهورية الاسلامية كالحرس الثوري. والبسيج  (اي قوات التعبئة الشعبية ) لديها القدرة على حماية النظام ، لانها جيوش عقائدية ، ومن المعلوم ان الدول الثيوقراطية لا يمكن تسقط بهذه السهولة والتجارب في التاريخ كثيرة . 

والامر الأكثر أهمية فيما ذهبنا اليه  في هذا التحليل  هو طبيعة الشعب الايراني الذي  لا يتعاطف مع التدخل الخارجي وهذه حقيقة تاريخية منذ تأسيس الدولة الغزنوية مروراً بالقاجارية و الصفوية الى وقتنا الحاضر ولعل فردوسي قد أوضح ذلك في كتاب الشاهنامة الشهير الذي يتحدث عن مراحل الحكم والحكام في ايران.

 بالاضافة الى  ان التحريض الخارجي سيدعم النظام هناك ويقويه وسيلتف  الشعب حوله وهناك مصاديق لهذا .

ولعل واحد من العوامل المضرة بالتظاهرات هو تصريحات  نتينياهو وترامب وتطبيل الاعلام السعودي  وخلق برابگاندا اعلامية للتظاهرات  ، فكما حصل في استفتاء كردستان  حينما صرح نتنياهو بدعم الدولة الكردية مما اضعف مسعود بارزاني وجاء بنتائج عكسية  سيحدث الامر في ايران .  

ثم ان  المطالب ليست سياسية  بل هي اقتصادية ،  مطالب حقة من اجل توفير العيش الكريم والحكومة ستلتزم بتنفيذها لانها تدرك خطورة اهمالها كما تعلم ان اعدائها سينفذون من خلال هذه المطالَب فلا بد من قطع  الطريق أمامهم .  

 النظام الايراني. يمتلك من المرونة ما يجعله يتكيف مع  الواقع والمتغيرات في الشارع فقد عودتنا القيادة الإيرانية على برجماتيتها في التعامل مع الأحداث كما حدث في احتجاجات 2009  الى جانب الحزم الكبير لدى السلطات. 

وهناك سبب اخر يستبعد سقوط النظام ، ربما يكون خافيا على الكثير وهو يخص نوع المواجهة  بين الطرفين .

 لن تكون المواجهة بين السلطة والمعترضين  بل ستكون بين معترضين ومؤيدين اي بين أفراد الشعب أنفسهم ، وقد ظهر هذا من خلال. خروج  المؤيدين  للنظام  ولقاء قادة الحرس  الثوري بمرشد الجمهورية  حينما أكدوا له انهم قلقون لقلقه ووعدوه بالحزم والدعم والحفاظ على نظام الجمهورية الاسلامية . 

كل هذه العوامل  المتقدمة  تستبعد سقوط نظام الجمهورية الاسلامية  كما  يعتقد البعض .


@*@model web.ViewModels.NavMenuVM*@